لماذا نخاف من الجدية في الحياة؟

عندما يكون الكلام على مبدأ الجدية في الحياة، تستحضر الأذهان غالبًا تصورات نموذجية مما ورد في مواد ما يسمّى التنمية البشرية وقصص “العظماء” و”الناجحين” … إلخ، مثل الاستيقاظ مبكرًا والنوم مبكرًا، ممارسة الرياضة، النظام الغذائي الصحي، ساعات محددة لمشاهدة التلفاز أو اليوتيوب (إذا وجدت) … إلخ، دوام النشاط والحيوية وغلبة العزم والمثابرة وندرة أو انعدام الخمول والكسل وعادات اللهو وتضييع الأوقات … إلخ.

والحق أن المسألة أبسط من ذلك التصور .. وأعمق!

إن الجدية التي تعنيك – بوصفك مسلمًا – أن تدرك معنى المسؤولية، وهو الموقف أمام الله تعالى لتقديم الحساب عن عمرك فيم أفنيته وعن شبابك فيم أبليته وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته وعن علمك ماذا عملت فيه. فالمطلوب من كل فرد مسؤول أن يصوغ لنفسه نمط الحياة التي يرتضي الحساب عليها والجواب بها أمام الله تعالى.

فإذا كنت ترتضي – مثلًا – أن تقيم الفرائض وتجتنب المحرمات ثم ترتمي فيما بينهما على الآرائك أمام التلفاز أو تقلب في وسائل التواصل .. فأنت وشأنك.

وإذا كان من أولوياتك في الحياة أن تكسب من المال ما يوفر لك مستوى معيشة رفاهي، وتكده لأجل ذلك في عدد من الوظائف أو ساعات عمل طويلة .. فأنت وشأنك.

وإذا كانت أولويتك في بذل أقل جهد ووقت ممكن لتوفير دخل معيشي يستر الحال ثم تنفق فاضل وقتك وعافيتك في أعمال خيرية أو أهواء شخصية .. فأنت وشأنك.

المهم في المسألة كلها أن تواجه نفسك مواجهة صادقة، فتقرر ما ترتضي ولا ترتضي ثم تتسق مع قرارك. المطلوب أن تحيا حياة ترضاها لنفسك وترتضي عاقبتها عند لقاء ربك تبارك وتعالى، بكل ما تفعل ولا تفعل فيها، وبكل من أنت ومن لست أنت فيها. فإما أن تفصّل تطلعاتك في حياتك على مقاس طاقاتك، أو تربي طاقاتك على قدر تطلعاتك في حياتك، أو تظل متنقّلًا بين هذا وذاك حتى تستقيم على طريق. أما أن تعيش حياتك هاربًا من من مواجهة نفسك وصوغ نمط معيشتك وترتيب أولوياتك، بل وتمد عينيك لحيوات غيرك متحسّرًا على ما يفعلون ولا تفعله أو ما لا يفعلون وتفعله .. فهذا عنوان الحياة البائسة وعين البؤس في الحياة!

إن الجدية في الحياة ليست هي المعضلة، والحياة الجادة لا تعني المثالية الخرافية، وليس ثمة شكل واحد قطعي لتحقيق المسؤولية عن الحياة وفيها. وإنما مكمن المعضلة الحقيقية هي أن كل امرئ على نفسه بصيرة لكنه يظل يتعامى .. حتى يعمى حقيقة!

اكتب تعليقا

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑