مراسلة بين أبي وسلمان العودة

نشر أبي – رحمه الله تعالى – مقالًا في مجلة “أهلًا وسهلًا” السعودية ، في يناير سنة 1985 ، بعنوان “لعنة الفراعنة” . فكتب الشيخ سلمان العودة رسالة انتقاد واعتراض على ذلك المقال ، وبعثت رئاسة التحرير الرسالة لأبي ليردّ عليه ، فجاء ردّ أبي كما يلي :


(تنويه) : استعمل أبي رحمه الله تعالى اختصار صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (صلعم) وقت انتشارها حينًا ، ثم امتنع عنها بعد ذلك تمامًا وكان ينهانا عنها أدبًا وتوقيرًا لذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام كما أمر ربنا تبارك وتعالى ، وطلبًا للبركة في تكرارها بصيغتها كاملة ، وللثواب بعدد من يرددها عند قراءتها .


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى

لندن ، في :

الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1406 هـ

فبراير / شباط 1986


من : د. عبد الرحمن النمر

إلى : أخي الكريم ، الأستاذ الفاضل / سلمان بن فهد العودة

كلية الشريعة – القصيم

المملكة العربية السعودية

الموضوع : التعقيب على مقال “لعنة الفراعنة” المنشورفي مجلة “أهلًا وسهلًا” : العدد العاشر الصادر في المحرّم 1406 هـ ، الموافق أكتوبر 1985م


البيان :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد :

الحمد لله الذي وهبنا العقل والفكر ، وهدانا إلى الحق والنور ، والصلاة والسلام على الهادي البشير ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

ثم إني تلقيت شاكرًا من أخي الكريم ، الأستاذ الفاضل محمود أحمد ، المسؤول عن تحرير مجلة أهلًا وسهلًا” ، صورة من كتابكم الذي تفضلتم بإرساله إلى المجلة ، والذي تضمّن تعقيبًا ونقدًا لمقال نشر لي في المجلة المعنيّة ، تحت عنوان “لعنة الفراعنة” .

وبادئ ذي بدء ، فإني أحمد الله تبارك وتعالى أن جعل بين المسلمين من يغار لدين الله ويتصدى للذَّوْد عنه ، وأنّ الخير باق في أمّة نبينا عليه الصلاة والسلام إلى يوم الدين . وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق” [متّفق عليه] . فجزاك الله عني وعن المسلمين خيرًا ، وشكر الله سعيك ، وبارك فيك .

ثانيًا : فإنني حين كتبتُ مقالي المذكور ، لم يَدُر بخَلَدي قَطُّ أن أقيم دليلًا على خرافة ، أو أن أجمع “أخبارًا ملفّقة أشبه بروايات بني إسرائيل” (على حدّ تعبيرك) ، ولا كان هدفي “تعظيم الكَفَرة” أو “إرهاب الناس إرهابًا عقليًّا” ، ولا كان غرضي أن “أنشر ما يتعارض مع المشاعر الإسلامية” . سامحكم الله وغفر لنا ولكم .

 إنما لعنة الفراعنة موضوع خاض فيه الناس من قديم ، وكثر فيه القيل والقال . وقد عكفت على القراءة عن هذا الأمر زمنًا ، فهالني ما كُتِب عنه : حجمًا وكمًّا وكيفًا (سأورد لكم إن شاء الله قائمة بالمراجع التي رجعت إليها) . فتراءى لي أن أبسّط هذا الأمر للناس ، موضّحًا أن ما جرى من أحداث ارتبطت بلعنة الفرعنة ليس إلا من قبيل الاتفاق ، وإنما أضيفت لها الهالة الأسطورية لاحقًا . وشَهِد الله أني ما فكّرتُ لحظة واحدة في أي من الأفكار أو الاستنتاجات أو التأويلات التي وصلتم إليها ، والتي كانت موضوع رسالتكم .

ثالثًا : ليس من قبيل الجدل أو السفسطة ، ولا من قبيل الدفاع أو الفلسفة ، وإنما من قبيل الاسترشاد والتبيين ، فإني أستسمحكم في الكلام عن بعض النقاط الواردة في كتابكم :

1) لعن الله عز وجل فرعون وملأه في الدنيا والآخرة ؛ هذا حقّ لا مراء فيه . لكن من هو “فرعون” الذي أُرسل إليه سيدنا ومولانا كليم الله موسى عليه السلام؟! كلمة “فرعون” كما وردت في معاجم اللغة ودوائر المعارف هي لقب حاكم مصر القديمة ، ويُعتقد أن أول أسرة حاكمة صعدت إلى العرش عام 3200 قبل الميلاد . وقد استمر الفراعنة يحكمون مصر القديمة إلى أن فتحها الرومان عام 315 قبل الميلاد . وتذكر المراجع التاريخية أن نبي الله موسى عليه السلام بُعِث في القرن الثالث عشر قبل الميلاد . فهل تنسحب لعنة الله لفرعون وجنوده زمن سيدنا موسى عليه السلام على سائر من عاش في مصر القديمة على مدى ما يقرب من أربعة آلاف عام؟!

2) ورد ذكر السحر في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، من ذلك قوله تعالى : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة : 102] . وليست لعنة الفراعنة – إن صَحّ وجودها – إلا ضربًا من السحر الذي يضرّ الناس ، ومعلوم أن الفراعنة اشتغلوا بالكهانة والسحر . وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه الأعلى “من شرّ النفّاثات في العُقد” في سورة الفلق . وإذا شئتَ تفسيرًا أكثر ودليلًا أكبر على وجود السحر وثبوت أثره ، فارجع إلى أقوال أعمدة المفسرين وجهابذتهم ، أمثال ابن كثير والطبري والقرطبي وغيرهم .

3) لا يقع نفع ولا ضُر في الأرض ولا في السماء إلا بإذن الله سبحانه : {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : 51] . ولا يكشف الضُّرّ – سحرًا كان أو غير ذلك – إلا رب العزة سبحانه وتعالى : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس : 107] .

وبعد ، فإني أعاود شكركم من جديد . وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وجهلنا وإسرافنا في أمرنا ، وما هو أعلم به منا .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أخوكم في الله

عبد الرحمن النمر


اكتب تعليقا

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑