وتظنُّ أنّك فهمتَ وتَحسَبُ أنّك قادر


لكم حدّثك الأدب عن لواعِج شوق لا تفتر ، ودمع محزون لا يَرقَأ ، ووجع فراق لا يندمل ..

وفؤادٍ منفطر لا يسلو ، وقلبٍ مُستَطار كلما مسّه طائف ذكرى ، ونفسٍ تذهب حَسَرات أو تطير شُعاعًا ..

ووَرْقاءَ هتوفٍ ذات شَجْو صدَحَت بفَنَن فعرفتها بالجَوَى وعرفتك ..

ومُستهامٍ رُمي بسهم لا سلم منه الحَشَا ولا أجهز عليه .. فهو بين ذبح الألم وألم الذبح ..

ومَشوقٍ كسير البال يناجي سماء بات نهارها ليلًا وأصبح ليلها نهارًا فالشمس والقمر في عيني قلبه سيّان  ..

وراهبٍ في الضلوع كلّما مرّت عليه الليالي رقّ .. وإن كان العهد في الليالي تُقسّي ..

وكذا يحدّثك الأدب ويحدّثك ويحدّثك .. وأنت تسمع له نشوانَ مُستزيدًا ..

وتروق لك بسذاجة بدائع التعبيرات الأدبية ، وتعجبك دقائق وصفها الذي يُخيَّل إليك أنه أحاط بمجامع الشعور الإنساني إحاطة السّوار بالمعصم ، وأجاد غاية الإجادة في بيان أحوال الإنسانية في الإنسان ، وصياغة أطوار نفسه ظاهرة وباطنة ..

وتتأثر تأثّرًا تحسب معه أن قد فهمتَ المعنى ووقفت على حقيقة الشعور ..

حتى إذا نزل بساحتك ما يذيقك تلك المعاني بغير وسيط يصوّرها لك ..

وتناهى لسمعك صوت عصف وجدانك وأنين كيانك وانتحاب عينيك ونشيج صدرك .. وكل تلك الأصوات التي لم تمرّ عليها إلا مُسَمَّيات تعرّفها المعاجم تعريفًا صامتًا لا تسمع له رِكْزًا ..

أدركتَ حينها أنه لا يفهم المعنى إلا مُعانِيه ، وأنّ المعاناة والدة المعنى .. والاسم وَسْمُ المُسمَّى بعد أن اكتوت به الروح فجَأَر به اللسان ..

وأدركتَ من بعد أنك لم تخبُر الشعور قبلًا إلا مجازًا ..

وأن الحقيقة غير المجاز .. وأشدّ .. وأعتى ..

وأنّ شعورك بعواطف نفسك غير التعاطف مع شعور غيرك .. وأشقّ .. وأخفى ..

وأنّ بيان الأدب مهما علا ودَقّ وأجاد ، ما أحاط بمجامع شعور قَطّ .. ولا احتوى ما حوى وجدان إلا بمقدار ما وَسِعَت حروفه .. وهي على تلك السَّعَة ضيقة عنك ..

وكم ستودّ على ذلك لو كان بيان الوجدان مثل بيان البَنَان ينتهي – مهما طال وأبعد – بنقطة في آخر السطر .. لكن هيهات!

والناس حولك – على كل ذلك – لا يرون تَقلُّب وجهك في صفحات الكون تقلّب المكلوم الأََسِف المستوحش ..

ولا ينفعونك إذ يرون إلا بقدر ما كُتِب لهم أن ينفعوا .. ثمّ ينفضّون .. وتبقى ..

ثمّ تدرك آخر المطاف – أو أوّله إذا كنتَ موفّقًا – أنه لا طاقة لنفس بشريّة بجهاد الصبر ومعاركة ذاتها على الرضا وحسن التسليم .. ولا قِبَل لقلب إنسان بقبول تقلّبات الدّهر قبولًا حسنًا ..

إلا بالله وحده ..

وبالله وحده ..

وبالله وحده ..

“ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ” .

رأي واحد حول “وتظنُّ أنّك فهمتَ وتَحسَبُ أنّك قادر

اضافة لك

اكتب تعليقا

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑