كيف تستفيد مما تقرأ؟

مقتطف من كتاب : إضاءات على طريق بناء الذات

84329309_1775233339278418_3422315557330878464_o


  1. وضع خطة قراءات متدرجة:

أ.    تصنيف المراتب بالأولوية : فعلوم الدين الواجبة، ثم علوم التخصص، ثم علوم التوسع، وكل منها تقسّمه لمراحل .

ب. اختيار المواد لكل مرتبة وكل مرحلة، سواء مواد مسموعة أم مرئية أم مقروءة، أم عن طريق التلقي عن معلم أو ذاتيا… إلخ.

ج. تحديد فترة زمنية لكل مرحلة : شهر أو عدة أشهر مثلا .

د.   تنظيم الروتين اليومي، بمعنى أن يكون لك ورد قراءة ثابت بعدد الصفحات (10 إلى 20 صفحة يوميا) أو بفترة زمنية محددة (2 إلى 3 ساعات يوميا)، سواء خصّصت للورد وقتا معينا (بعد الفجر أو بعد العشاء) أم بحسب جدول مشاغلك (باستثمار أوقات الفراغ والانتظار البينية).

  1. قبل الشروع في المادة، تذكر تحديد حاجتك منها

بأن تصوغ سؤالا أو أسئلة يهمك أن تخرج بإجاباتها، أو تصوغ أسئلة مبنية على توقعاتك، فتبرمج عقلك تلقائيا ليتحفز للتلقي، وحين يجد ضالته أن يحتفظ بها. أما قراءة الترف الفكري فهي كالأكل الزائد، تُتخِم عقل صاحبها، وتوهمه بتضخم معرفي زائف، في حين لا تلبث أن تطويها مدارج النسيان.

  1. لا تقرأ كل الكتاب بنفس الطريقة وبنفس السرعة

ومتى استكملت انتفاعك ووصلت لمقصودك لم يعد عليك الالتزام بإنهاء الكتاب كاملا لمجرد الإنهاء .

  1. القراءة الاطلاعية / التصفحية لتقييم العناوين المختارة في قائمتك قبل الشروع في القراءة المركزة

حتى لا تهدر وقتك في انتظار عائد لا تجده حتى الصفحات الأخيرة. يمكنك البدء بغربلة عناوين مراجع كل مرحلة خططت لها، ولا داعي للغرق في عمل قوائم لسنوات أو مراحل ممتدة، إذ إن كل مرحلة ستطور وتغير بالضرورة من فكرك وتوجهك وتقييمك. والتصفح المتقن لأي كتاب يكون بـ :

  • الاطلاع على فهرس المحتويات، ثم مقدمة الكاتب التي يشرح فيها خطته أو هدفه مما كتب.
  • انتقاء موضوع أو اثنين مما يهمك ولديك سابق علم به، ليمكنك تقييم منهج عرض الكاتب له ، ومناسبته لاحتياجك ، وكذلك مدى دسامة أو خَوَاء المادة العلمية المقدّمة للعرض.
  • قراءة الفقرة التقديمية والختامية للموضوع المختار، ثم الجملة الرئيسية لكل فقرة، لتكون انطباعا جادا وعاما في آن معا عن أهمية هذا الكتاب لك.
  • بعد أن تغربل قائمتك وتقتصر على العناوين النوعية بالنسبة لاحتياجك، يمكنك البدء بأمان في الاستمتاع بالمرحلة تدريجيا، مع الوضع في الاعتبار أنك قد تعيد غربلة المواد وأنت سائر، بين حذف وإضافة، المهم أن يكون ذلك عن وعي ومنهجية، وألا تغرق في لذة التخطيط نفسه، فتتوهم بأنك تتقدم في حين أنك حقيقة تدور حول نفسك!
  1. الحرص على الاستخلاص

من كل مادة تسمعها أو تشاهدها أو تقرؤها، لأن العلم صيد والكتابة قيد. والاستخلاص له عدة وسائل:

أ.    التجميع: لفقرات أو مقولات معينة مختصة باهتمامك أو تجيب عن التساؤلات التي طرحتها.

ب.  التلخيص: بأسلوبك للأفكار الرئيسية الواردة في المادة، مما يصب في دائرة اهتمامك.

ج.  الاختصار: بأن تجمع الفقرات الرئيسية بالنسبة لك في المادة، بنفس أسلوب الكاتب، وتحذف ما ترى فيه تكرارا أو لا يؤثر على عرض المادة، وترتب الفقرات بترتيب منهجي وعناوين تسلسلية.

د.   الخرائط الذهنية والرسوم التوضيحية: للعناوين والأفكار الرئيسية فقط، بغير تلخيص أو عرض لمضمونها. فبمجرد أن تنظر في العنوان تتذكر ما كان واردا تحته، مما يعين على دوام الاستحضار بالذات للمعلومات التي تحتاجها دوريا. مثال: واجبات وأركان الصلاة ؛ فرائض وسنن الوضوء ؛ وظائف الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان ؛ وصفة طعام.. إلخ.

ومما يعين على الاستخلاص

أن يكون لك دفتر مطالعة لكل مجال أو حتى لكل كتاب، تقسم فيه استفادتك إلى أربعة أقسام:

  • الأول: تجميع النوادر والمقولات وما يهمك الاحتفاظ به من جمل وعبارات بارزة فقط، وليس نسخ نص الكتاب كاملا.
  • الثاني: تلخيص لأهم أفكار الكتاب بتسلسل منطقي، كأنك تشرحه لنفسك أو لشخص متخيل، سواء بصورة إنشائية أم بالخرائط الذهنية.
  • الثالث: تدوين خواطر وانطباعات وما فهمته أنت ولم يكن مدوناً في الكتاب، وحبذا لو كان ذلك مع تحديد الصفحات التي تدور حولها أو بتلخيص الفقرة التي وردتك خاطرة عنها، ومن مثل هذه المواد تأتي الأفكار.
  • الرابع: للإشكالات والتساؤلات التي عرضت لك أثناء قراءتك للكتاب، مما يستلزم بحثا للرجوع إليها في مراجع أوسع، أو لسؤال من تلقاه من أهل العلم عنها، وكم من فوائد علمية سيتسنى لك أن تنالها بهذه الصورة، لم تكن لتصل إليها لولا ذلك الإشكال. لذلك من المهم أن تعتني بالتقييد والتدوين المرتب والممنهج، حتى لا يتحول الاستخلاص لتراكم معلوماتي والسلام.

ولا يُشترط أن تقطع تركيزك وقت القراءة للاستخلاص، بل ليكن معك دفتر مسودة أو حتى أوراق فارغة، تدون عليها ما يصادفك من الأقسام الأربعة، ثم تبيضه بعد إتمام الكتاب ، فيكون هذا بحد ذاته كمراجعة شاملة في الختام.

6. التأمل والتفكر في استخلاصاتك

خطوة الاستخلاص هي لب وثمرة القراءة، والتفكر هو السبيل لتكوين النسق الفكري المتكامل، في مقابل فوضى الأفكار المتناثرة. فالقراءة السلبية بغير تفاعل لا تصنع مفكرا وإنما صاحب أفكار منثورة، وهي بحد ذاتها ليست هي البديل عن الفكر، لأنها لا تمد العقل إلا بمواد المعرفة، لكن التفكير هو الذي يجعل ما نقرؤه ملكا لنا. القراءة تهيئ لعقولنا المادة التي ستقوم بتشكيلها، إذ لا يمكن لطاحون أن تصنع شيئا دون وجود شيء تطحنه.

لذلك لا بد لأي مدخلات جديدة أن تأخذ وقتها في عقلك، فتقلبها على وجوهها وتتفكر فيها: باستخلاص الأفكار الرئيسية فيما تقرأ، وتدوين ما يخطر لك حول ما جمعت، والربط بين ما تقرأ وما تسمع وما ترى. هذه الوصفة هي بمثابة تهيئة للأرض البكر، كي يزرع فيها التفكير المستقل، فبمرور الوقت يبدأ عقلك تلقائيا في تشكيل نسقه الفكري الخاص، وتطويره كلما ورد عليه جديد. ومع الممارسة الواعية ، تتكون لديك مَلكة الاستشعار المعرفي التي تمكنك من تقييم الأفكار وتثمين الكتب، وتحديد مدى حاجتك إليها أو إلى جزء منها. وقد تشعر بالحاجة للعودة لكتاب قرأته أو صعُب عليك في مرحلة ما هضمه، فتجد أنك تقرؤه بعقلية أنضج ومدارك جديدة، بل لعلك تقدر على الإضافة إليه أو الاستكمال عليه.

إن القراءة النافعة والعلم الباقي جهد من طرفين لا من طرف واحد. القراءة الإيجابية تعني تدوير الثقافة وليس استهلاكها فحسب، أي العزم على القراءة بنية الإضافة والإفادة .

7. الحفظ عنصر لازم لمن رامَ بناء راسخا

فالعلم كان وسيظل دائما في بطون الكتب، وإنما العبرة بالعلم الذي يَقَر في صدرك، فيكون لك عونا في التطبيق والتبليغ.  والحفظ نوعان:

  • حفظ النصوص أو حفظ الرواية

وهذا محله الأساسي النصوص الدينية وعلوم الاختصاص، وما تدوّنه من الشوارد والفوائد التي تصلح استشهادات، كالمقولات والنوادر وأبيات الشعر.

  • الحفظ الفكري أو حفظ الرعاية

أي تشرّب الأفكار وفهمها فهما منطقيا يفضي بعضه لبعض، والقدرة على التعبير عنها بصياغة محكمة بيّنة، للبناء عليها لاحقا. فلا يلزمك دائما حفظ كل كلمة أو مَتن فيما تقرأ، لكن يلزم دائما أن تكون قادرا على التعبير عن خلاصة ما قرأت بعرض منطقي وبيان واضح. ومن أتقن كتاباً، فإنه يكون بهذا الفن أحسن ممن قرأ عدة كتب ولم يتقنها، ولهذا قيل: “صاحب الكتاب يغلب صاحب الكتب”. فالعبرة ليست بالكم ولا بكثرة الكتب لكن بما يرسخ عندك أنت، فتستفيد وتفيد به.

8. المراجعة الدورية لغنائمك العلمية

بقاعدة المداومة والأوراد الدورية، فلا بد من تخصيص وقت دوري لمراجعة ما تجمّع لديك، وغربلة حصيلة ما أفدت، حتى لا يُنسى ويتفلت فتفقد بذلك المنهج البنائي. ويفضل أن تكون المراجعة أسبوعيا أو شهريا، تخصص يومين أو عدة أيام لا تستزيد فيها وإنما تركز على المراجعة والتدبر والتفكر.

9. التدرب على الشرح والتعليم

ولو حتى بتخيل طلبة أو جمهور تشرح لهم خلاصة ما استفدت بعد تمام المادة. فكثير من الناس فرّغوا طاقاتهم للطلب (مرحلة الغرس)، ولم يتعودوا على التعبير والبيان (مرحلة الإنبات) فلما احتيج لما علّمهم الله، وجاء وقت التبليغ والتعليم، إذا بهم على امتلاء إنائهم لا يعرفون كيف يفيضون منه على من حولهم.

10. اختيار صحبة إن أمكن

لفتح باب الحوار والنقاش، فإنه أعون على طرد الملل وقدح الذهن وثبات العلم بمذاكرته ونقاشه. لكن احذر الإسراف في حوارات ومناظرات وحلقات نقاشية تأكل من رأس مال فقير أصلا لم يتكون بعد، بل وتُكِسب صاحبها شعورا زائفا بأنه عالِم ، فيحسب أنه بمجرد القدرة على الرد مرة أو مرتين – ربما لعجز مُحاوِرِه ليس لقوة حُجّته هو – قد تمكن من المادة وحاز العلم من أطرافه! إنما الصحبة للتعلم والمذاكرة، لا للتعالم والتباهي – وسيأتي تفصيل ذلك في الآفات. وحذار من طول الجدل والمناظرات في معارك فكرية وهمية وأنت لم تبلغ أساس العلم بعد، وشتان بين من يناقش ليتعلم ويبني نفسه، ومن شُغله الشاغل الهدم في فكر من حوله.


  • ملخص أهم خطوات القراءة الواعية البنّاءة
  1. تحديد الحاجة للمادة ووضع التساؤلات التي ترجو إجابتها منها .
  2. التخطيط والتعليق على الهامش أو في ورق خارجي .
  3. تنقيح الهوامش والتعليقات والخلاصات بعد الانتهاء لتثبيت الصورة الكاملة التي أفدتها .
  4. تثبيت غنائمك من المادة بالتلخيص الشفهي أو الكتابي للأفكار الرئيسية .
  5. حفظ الرواية وحفظ الرعاية .
  6. المراجعة الدورية .

اكتب تعليقا

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑