حتى لا تثقل عليك حياتك : الزم حدودك واشتغل بوسعك

danbo-1873170_960_720


 

  • لماذا تثقل علينا الحياة؟

إن الذي تثقل عليه الحياة فلأنه ألزم نفسه من الإلزامات ما ليس مُلزِمًا له شرعًا ، ولا هو متفق معه عرفًا . وإذ ذاك فالذي يثقل علينا ليس الالتزامات بذاتها ، وإنما ضعف اعتقادنا في مسؤوليتنا عنها أو حاجتنا إليها . وإلا فكم من صاحب مشروع أو مبدأ يبذل فيه من طاقات نفسه فوق ما يُتصور فلا يهدّه ذلك بل يزيده حياة ، وكم من مقهور على أمر لا قناعة له به مهما صغر ينقطع نفسه عند كل حبوة يحبوها كسلحفاة تتسلق جبلا!

ثم المنشأ الثاني لثقل حياتك عليك هو تكليف نفسه ما ليس في نطاق وسعها أصلا ، وشغلها بما لا سلطان لها عليه ، فتورثها الحسرة والكَمَد ، كالتوجس من النتائج والاغتمام بتصاريف القدر والقلق من تحصيل الرزق وتوهم ضمان المستقبل وقياس قيمة وجودك بهيلمان أثرك لا بتجويد عملك وأداء مسؤولياتك صغيرها قبل كبيرها .

عليك السعي واحتساب الرحلة وليس عليك ضمان الأثر أو تمام الوصول (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)

عليك إصلاح نفسك وليس عليك صلاح الآخرين (لا تكلّف إلا نفسك ، وحرّض المؤمنين)

عليك البلاغ وليس عليك قسر القناعات (إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)

عليك التزكي وليس عليك الزكاة (قد أفلح من زكّاها) (إن علينا للهدى)

إن الوعي بحدود دورك والتأدب بمحدودية طاقتك يورثك التركيز الصادق والجاد فيما طُلب منك الاشتغال به ، ويوسّع عليك آفاق الأمل والرجاء في حسن العاقبة عندما تفوض القدرة لذي القدرة ، وتستعين على ضعفك بذي القوة ، وعلى تحوّلك بذي الحول ، سبحانه وتعالى .

ومردّ الخلط في ذلك كله إلى نزعة “ملوكية” وتعطش للسيطرة والتحكم ، أورثتنا إياها ثقافات تضخيم الذات وعملاقية الإنسان الذي خرق الأرض تيهًا ظانا أنه قَدَر على الملكوت وراض الوجود وتحكّم في الكون .. أو كاد!


  • الاتساق مع كينونتك كعبد

مردّ كل إشكالات ثقل حياتك على نفسك أنك لا تتسق مع وضعك وتكوينك كعبد . حتى سيادتك هي سيادة فيها لا سيادة عليها حقيقة ، وسيادة عبد أوتي نفحة من القدرة ليُمتحَن بها فيعلو ويرقى أو يرتكس ويتدنّى ، لا سيادة ملكٍ له القدرة المطلقة والحق المطلق!

أن تمارس عبوديتك يعني أن تعتقد جازمًا أنك لا تملك من الأمر شيئًا على الحقيقة ، إلا أن تتوجه بحاجته لمن بيده الأمر كله . ولا تستجلب بسعيه الضعيف شيئًا على الحقيقة ، إلا أنك يتعبد لله بالتزام أمره في ابتغاء فضله .

  • ما يريده الله منك – يا عبد – قد أبلغك به ، فالزمه ولا تزد من عند نفسك تشريعًا ولا تكلف نفسك فوق ما كلفها الذي خلقها .

  • وما يريده بك – يا عبد – قد طواه عنك حتى حين ، فتستجلبه من عنده هو ، بصدق استهدائه واستعانته ، والتزام ما اتضح لك حتى يبين لك ما بعده مما يسرك له.

  • وما يريده لك – يا عبد – قد طواه عنك حتى لقياه ، فلا تملك فيه إلا أن تؤمل خيرا وتظن بالله ما الله أهله وتثق بوعوده وبشرياته لمن آمن وعمل صالحًا .

  • فلا تحجّر فضل ربك ونوره عند حدود عملك وضعف أدائك ، ولا تَقِس الهداية والرشاد قياسات تجارية ، فتحسب أنك بركيعات في الليل قد استحققت على الله المكانة ، أو تقنط من ذنب واقعته من سَعَة توبة الله عليك .

  • ووالله إنك لك في العبودية من رحابة السعي وانشراح الصدر واستغناء النفس ما الله به عليم وبه وعد!

 


  • استعن بالله ولا تعجز

 

تحرك يا عبد! وكف عن افتعال الحيرة والتوهان في غياهب الملكوت . الزم ما عليك مما بيّنه ربك لك تجد النور غمرك ، لأن السبيل لا يتضح إلا لسائر .

 

تأدّب يا عبد! وكف عن اعتقاد البطولة في نفسك أو تجارية المعاملة مع ربك ، واشدد على حبل الله الممدود لك تشديد عبد يوقن أن ما توفيقه إلا بالله .

 

اخشوشن يا عبد! كف عن الدلال واتباع المزاج والشكوى من الصعوبات ، واجه نفسك واتفق معها على عقيدتك في الحياة ثم جاهد للاتساق مع ما تعتقد ، ومصابرة نفسك على استثمار أنفاسك . فإنك تدفع من نفسك لنفسك أو عليها!

 

يا عبد!

خذ الحياة بقوّة!

اكتب تعليقا

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑