في مرحلة ما من رحلة الحياة ، مرة أو أكثر من مرة على طول تلك الرحلة ، نصل كلنا لذلك المفترق الذي تشعر عنده أن نفسك فَرَطت منك ، وأنك صرت أغرب الناس عن ذلك الكائن الذي تحمله بين جنبيك ، وأن بينك وبين قلبك ألف حائل .. إلا قليلًا!
أحب أن أشارك “وصفة” مجرّبة ، وجدتها نافعة الجدوى والأثر كذلك مع مختلف من أخذوا بها عند ذلك المفترق ممن طلبوا المشورة :
(1) سّلم بهذه المرحلة ، ولا تستسلم لها :
فأما التسليم بها يعني أن تتقبل قابلية وإمكان وحقيقة وقوعها بالفعل ، ولا تتحجر عند السخط عليها تحجرًا يشلك أن تتعامل معها فتغرق في دور ضحية أنت الجاني الأول عليها! توقف عن منازعة حقيقة ما هو كائن بالفعل ، بالحنين إلى أو التذمر مما “كان ينبغي” و”يفترض” أن “يكون” .
ويعني كذلك أن تسمح لنفسك باختبار مختلف المشاعر التي يستثيرها السياق ، من الحزن والألم والكدر … إلخ ، في حدود المساحة الطبيعية للشعور والوجدان . فمن الناس من يفزع من المشاعر المصنفة “سلبية” فزعًا يوقعه في سلب من وجه آخر ، تمامًا كما أن خوف الذل ذل . وإن في جماليات التقلب في مختلف درجات الشعور الإنساني لآيات لقوم يتفكرون! وينفع هنا أن تعامل نفسك بدرجة من الوالديّة ، فتكون كوالد يصحب طفلًا لـ “يستكشف” أمرًا جديدًا عليه ، فيترك له مساحة معتبرة ليعايشه بنفسه مع قدر من الضبط والتوجيه حتى لا يفرط منه .
وإن معايشة مختلف المشاعر مما يجيب حاجة في النفس من جهة ويثري الوجدان من جهة أخرى . الشأن كل الشأن ألا تقع في البند الثاني تاليًا .
إذن سلّم بهذه المرحلة = تعامل مع الموجود
والتسليم بواقع ما غير الاستسلام له . الأول يعني إقرارك بوقوعه ومن ثم تتوجه لمواجهته والتعامل معه ؛ والثاني يعني إنكارك له نفسيًا والانهزام أمامه داخليًا ، فيستحوذ عليك بدل أن تستعلي عليه ، ويتوطن في داخلك بعد أن كان واقعًا خارجك .
(2) لا تتخذ الغم عملا ولا تغرق في سرادق الرثاء :
من الحقائق المغفول عنها على بساطتها وكثرة تردادها أنك لست المبتلى الوحيد في أي سياق وإن تفاوتت صور الابتلاء . يضاف إلى ذلك أن هذا المفترق لا يؤدي بالضرورة لهاوية سحيقة لأنك لست محاطًا بفريق إنقاذ جاهز لانتشالك . ومن ثَمّ ابتعد تمامًا – وأعني تمامًا – عن سيمفونيات العزف الانفرادي على أوتار الوحشة والغربة والوحدانية ودراما الاكتئاب والتخاذل والشعور بالرثاء لنفسك .
إياك أن تتخذ الغم في ذاته عملًا ، فإنه ما أنزل الله من داء إلا وجعل له دواء ؛ إلا الموت الذي هو آتيك في حينه وطاويك في قبر لن تملك بعده عملًا فعلًا ، فلا تَقبُر نفسك في نفسك قبل أوانها لأن ذلك هو الخسران الحقيقي .
جزاك الله كل خير كأنك تتكلمين عني .. هداك الله وسددك ووفقك وأصلح لك بالك ..
إعجابLiked by 1 person
بارك الله فيك .. ونفع بك .. وزادك من علمه ورزقه وفضله .. وأدخلك في عباده المخلصين الصالحين المصلحين المتقين المحسنين .. ونفع بك الإسلام والمسلمين.
إعجابLiked by 1 person
جزاك الله خيرا على مقالتك كلها وخاصة هذا فقط أتى في وقته
مما أحببت أن أشارك قارئي هذا المقال تفريغ محاضرة التربية بالاستعانة وخاصة الجزء الأول فيه ففيه توضيحات مهمة للنقطة الرابعة
https://anaheedblogger.blogspot.com/2019/11/blog-post_71.html?m=1
إعجابإعجاب