كيف نواجه أخطاءنا مواجهة شريفة؟

661d88328f31a7e20e4459369ea7ec77.jpg

 تشكّلت بالتجارب لدي قناعة أننا قبل أن ننادي بتقبّل من حولنا في مختلف العلاقات على ما فيهم من ضعف وأخطاء ، ينبغي أن نتقبّل ذلك من أنفسنا بداية ، أو بالأحرى نسلّم لكونه حقيقة لا مفر منها .أن نسلّم بأننا في قمة تمثّلنا لمبادئنا قد نخطئ في ذلك التمثل ، ولا نعي ذلك إلا بعد حين وقع فيه ما وقعأن نسلّم بأننا في قمة حماستنا لنكون كل ما لم يكنه أسلافنا أو غيرنا في مختلف سياقات المعاملات ، كوالديّة أو أستاذيّة أو محبوبية ، قد نغدو أفضل منهم بالفعل في جوانب سقطت منهم سهوّا أو عمدًا ، لكن سيكون لنا جوانبنا الخاصة التي نسقط فيها سهوًا أو عمدًا كذلك.


لذلك صارت لدي قناعة أخرى هي أن غالب الغضب الكامن وراء الصراعات في العلاقات ، غضب من نفوسنا نحن نفرّغه في وجه الآخر ، الذي به اختُبرنا وامتُحِنّا ، وبه ظهر لنا ما في نفوسنا من شروخ وما لا نستلطف مجابهته من ضعف .ذلك الضعف الذي منه خلقنا بداية ، ومنه نهرب أبدًا . والهروب لم يكن يومًا حلًا حين نلجأ إليه استسهالًا .


والحق أنه لا حل بغير مواجهة شريفة كريمة ، تسلّم فيها بنفسك لا لنفسك ، وتسلّم بها كلها ، ليس على الرغم من ضعفك ، بل بضعفك الذي بغيره ما كنت لتجد قوة .نعم ، أنت ذاك الذي يمكن أن يخطئ دون أن يستحيل شيطانًا بالضرورة ، ويمكن أن يُحسِن دون أن يكون ملاكًا على الدوام . ويمكن أن يجرح أو يؤلم أحدًا من حيث قصد أن يضمّد ويرأف بآخرين .. أو بنفسه ، ويمكن أن يقصد الخير ثم لا يصيبه ، ويقصد غير الخير لكن يوفّق للخير منّة من الله ؛  ويقع في الشر رغم احترازاته ، لا لأنه كتب عليه أن يصير شريرًا ، بل لأنه بمغالبته له يثبُت على خيريته ما رجى وجه الله واستعانه .

حين نتقبل أنفسنا على أنها هي كذلك نفوس بشرية لها ما لها وعليها ما عليها ، ويمكن أن يقع منها كل شيء ، دون أن يعني ذلك صواب كل ما تفعل أو خطأه جميعًا لمجرد أنه صدر عنها ، حين نسلّم أننا خُلقنا ضعفاء وأُمِرنا أن نأخذ الأمر بقوة في ذات الوقت ، فلا الضعف مانع من أن نتقوى ونقوى ، ولا القوة قاهرة للضعف بإطلاق


حين نواجه أنفسنا تلك المواجهة الشريفة الكريمة :

  • سيقل جزعنا على صورتنا المُثلى أمام الناس ، على اختلاف مستويات قربهم أو بعدهم عنا

  • وستقل حدة الحقد والغل على ذلك الصنف المُتعِب من البشر الذي يستفز فينا أعتى ما تصل إليه طبائعنا ، ليدهشنا أن بداخلنا نفسًا لم نقف على كنهها تمامًا ، وأن بين جوانحنا طاقات فاتكة لولا رحمة الله بنا ولطفه الذي نأخذه من المسلّمات .

  • وسيسهل علينا بالضرورة مبدأ تقبّل أن الآخر بشر .. مثلنا! دون أن يختلط ذلك التقبّل بتلبيس الحق بالباطل والصواب بالخطأ ، أو يجور علينا في ترتيب دوائر القرب والبعد لأن بعض الشخصيات أنسب لطبائعنا من غيرها .

  • وسيمكننا أن نأتي كل تلك الترتيبات والموازانات في سواء عفوي وتلقائي ، دون أن تنقلب كل حركة لدراسة ميدانية في حرب تفاعلات مع مخلوقات ضارية ، ودون الحاجة لآلاف الكتب في التنمية البشرية والمعاملات الشخصية والموازنات الاجتماعية .كتاب واحد ربّما أو كتابان !


ورأس الأمر كله دوام الاستعانة بالله تعالى ، واستخارته في كل قراراتك بترتيب دوائر علاقات .  وتحرّي التفكر في جانبك من المعاملات من كل وِصال بغض النظر عن جوانب الآخرين ، لتقوّم من نفسك لنفسك أمام ربك ، وهو حسبك وكافيك ، أن تقول له يوم تلقاه: “إني ما وصلت فلانًا ولا فعلت مع فلان إلا رجاء أن في ذلك رضاك ” .

 

خذ الحياة بقوة ،  وخض التجربة الإنسانية بقلب جسور فتيّ ، عَصيّ على التفّتت مهما تخبّط ، لا يظلِم ما استطاع  ولا يُظلَم حيث لا وجه لذلك؛ متفكّر في المآلات وموازن للعواقب بما يتبين له في حينه ، تعبدًا لا لأنها ضمانات بدوام الصواب أو تجنب الزلل على طول الطريق لاحقًا . واستحضر دائمًا أن التفاؤل عندنا عقيدة لأننا موصولون برب كفانا شرّ ما أهمّنا ، وجعل أمر المؤمن كله خير .

 

 ذلك وكل من عليها فان وليس غير وجه الله يبقى ، فاشتغل برضا الباقي تُفلِح .. وتريح قلبك!

 

 

3 رأي حول “كيف نواجه أخطاءنا مواجهة شريفة؟

اضافة لك

  1. لله درك يا ا.هدى ، اشد مايعجبني ويجذبني لقراءة ماتكتبين هو مدى واقعيته وتوازنه بلا مبالغة او تفريط ، كلامك يأتي في الصميم تماما ، سبحان من سددك ، ثبتك الله وزادك ونفع بك

    إعجاب

اكتب تعليقا

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑