قصة قصيرة : حديث شيِّق!

5657a6c744d9c9d6eddf050b05e35673

دخل أنس إلى المنزل فسلّم و اتجه إلى حيث كانت والدته تعد المائدة ، فبادرها قائلا : السلام عليكم يا أمي ورحمة الله وبركاته ، فابتسمت الأم في حنان وود وردت السلام و قبلته على جبينه المندى بحبات العرق و سألته : “كنت تلعب الكرة مع أصحابك بعد المدرسة ؟” ، فابتسم الصغير و أومأ برأسه ثم قال : “سألنا معلم اللغة العربية اليوم سؤالًا محيرًا ، ولمّا لم يجبه أحد أمهلنا حتى يوم غد” ، فسألته أمه : “و ما هو ذلك السؤال المحيّر ؟” فقفز الصغير من حجرها و أسرع إلى حقيبته فأخرج منها كراسة اللغة العربية ، وأراها لوالدته و هو يشير بإصبعه الصغيرة إلى جملة كتبت بخط حسن : “هَرَع التلميذ إلى المدرسة” ، ثم عقّب : “طلب منا المعلم تصويب العبارة و لكني لم أجد فيها خطأ” ، تأملت الأم العبارة مَلِيًّا” ثم أجابت في حيرة : “والله ولا أنا يا ولدي ، فاصبر حتى يعود والدك وإخوتك ثم نتناقش في هذه العبارة” .

 

بعد الغداء تجمعت الأسرة في غرفة المعيشة فسارع أنس يسأل السؤال المحير . أمسك الأب الكراس يتأمل العبارة  ، ثم ابتسم وناولها لأحمد و أروى قائلا : من منكما يحدد الخطأ في العبارة وله عندي مكافأة ؟ تطلع أنس بعينيه العسليتين إلى أخويه في حماس طفولي سرعان ما حلت محله خيبة الأمل حينما هز كل من أحمد و أروى رأسيهما في حيرة ، وقالت أروى : العبارة صحيحة  : “هَرَع التلميذ إلى المدرسة” . ابتسم الأب حينما تطلع إليه الجميع منتظرين القول الفصل!  فتنحنح في تؤدة ثم قال : “الخطأ في تشكيل (هَرَع ) فالصواب أن نقول : ( هَِرع ) فلان (هَرَعًا) أي : كان سريع المشي ، أو ( هُِرع ) أي : مشى أو عدا في سرعة واضطراب و ( أََهْرَعَ ) الرجل : أسرع في عدوه ، أما ( هَرَع ) فهو من الأخطاء الشائعة في النطق “. ضرب أحمد جبهته بكفه و قال : “صحيح! حتى إننا نحفظ قول الله تعالى في سورة الصافات   ۞ إنهم ألْْفَوْا آبائهم ضالين۞ فهم على آثارهم يُهْرَعُون ۞” .

 

وهنا ارتفع صوت المؤذن فقالت الأم : “جزاكم الله خيرا على هذا الحديث الشيِّق ، و الآن لنستعد للصلاة فقد أذَّنَ للعصر” . فقال الأب مداعبًا : “مهلًا يا أم أحمد! لقد وقعت الآن في ثلاثة أخطاء شائعة !” تبسمت الأم في عجب و عادت لمجلسها قائلة : “خيرًا ؟ صوِّبني أثابك الله” . فضحك الأب وقال : “الخطأ الأول قولك : حديث شيق و الصواب حديث (شَائِق) أي يُشََوِّق الإنسان بجماله وحسنه ، أما ( شيق ) فمعناها :  ( مشتاق) ولا يمكن أن يكون الحديث مشتاقًا!” . ضحكت الأم وقالت : “و الثانية ؟” أجاب الأب : قولك : “أُذِّن للصلاة و الصواب : أذِّنَ بالصلاة أي نودي بها” . فسأل أنس : “فما الثالثة ؟” تبسم الأب و قال : “نسيتِ دعاء كفارة المجلس!” . فقالت الأم باسمة : “إذن جزاكم الله خيرًا على هذا الحديث الشائق ، و لننهض للصلاة وقد أذِّن بالعصر ، بعد أن نختم بدعاء المجلس” (تلتفت لزوجها) : “ما قولك الآن يا أبا أحمد ؟” صفق أنس الصغير بيديه في جَذل هاتفًا : “مرحى ! مرحى ! علامة كاملة لماما !” فضحكوا جميعًا من مداخلته الطفولية و قال الأب : “قد أجابك عني  أنيس ، ولك فوقها نجمة نجابة لحسن تجاوبك!” (يلتفت للأولاد)  “والآن يا أحبائي لنردد معًا الصلاة على نبينا المصطفى ونختم بدعاء كفَّارة المجلس” :

 

” اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك . “[1]

____________________________

المراجع :

  • المعجم الوجيز

  • لسان العرب

  • معجم الأخطاء الشائعة لمحمد العدناني

  • كتاب الوابل الصيب في الكلم الطيب لابن قيم الجوزية

 

 

[1] عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” من قال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم و بحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، أستغفرك و اتوب إليك ، إلا كفَّر الله له ما كان في مجلسه ذلك ”  قال الترمذي : حديث حسن صحيح . و في رواية زيد أن من كان في مجلس خير كان كالطابع أو الخِتْم له .

 

اكتب تعليقا

قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑